يصرُّ الإنسانُ على أن بمقدورِ عقلِهِ أن يُحدِّدَ له سبيلَ الرشاد! ولقد برهنت الأحداثُ والوقائعُ على فسادِ هذا الرأي الذي لا يزالُ يتشبَّث به كلُّ مَن يأبى أن يصدِّقَ أن عقلَ الإنسانِ لم يُخلَق ليُمكِّنَه من اكتشافِ سبيل الرشاد هذا وإنما خُلِق ليُعينَ الإنسانَ على تبيُّنِ هذا السبيل وذلك إذا ما عنَّ له أكثرُ من سبيل.
ولا أدلَّ على هذا “العجز العقلي” عن استشفاف الحقيقة من هذا الافتتان البشري بهذه الحياةِ الدنيا التي لو صحَّ ما يظنُّه الإنسانُ بعقلِه لكشف هذا له النقابَ عن حقيقتِها ولأبانَ له أن هناك آخرةً هي بالمقارنةِ معها خيرٌ له وأبقى! ونحن إذا ما تصفَّحنا قرآنَ اللهِ العظيم فلن يكونَ معسوراً علينا أن نتبيَّن هذه “الخيرية” التي ميَّز اللهُ تعالى بها الآخرةَ على هذه الحياةِ الدنيا. فيكفي الآخرةَ شرفاً وعظيمَ منزلةٍ أن هذا القرآن قد قال فيها ما قاله في اللهِ تعالى: (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (من 73 طه)، و(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (17 الأعلى).