حدَّدت لنا سورةُ الفرقان ما ينبغي أن يكونَ عليه حالُنا مع الله حتى يُشرِّفَنا اللهُ فيجعلَنا من عبادِه الذين كرَّمهم بتوصيفه لهم بأنهم “عبادُ الرحمن”. ولقد فصَّلت الآياتُ الكريمة 63 -74 من سورة الفرقان مفرداتِ هذا الحال وبيَّنته على أتم حال، فأصبح معروفاً لدينا ما ينبغي علينا أن نتقيَّدَ به ضوابطَ سلوكيةً ومُحدِّداتٍ تعبُّديةً، هذا إن نحنُ أردنا أن ينتهيَ بنا الأمرُ إلى أن نصبحَ من عباد الرحمن الذين بيَّنت الآيتان الكريمتان 75 -76 من سورة الفرقان ما ينتظرهم من عظيم جزاءٍ عند الله تعالى (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا(75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا).
إلا أننا نُخطئُ إذ نظنُّ أن ليس للرحمنِ عباداً آخرين غير أولئك الذين فصَّلت حالَهم مع اللهِ تعالى آياتُ سورة الفرقان أعلاه! فلقد ذكرَ قرآنُ اللهِ العظيم أن الملائكةَ الكرام عليهم السلام هم أيضاً عبادُ الرحمن، فقال عزَّ مِن قائل (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) (19 الزخرف). كما وأن سورةَ الجن قد أبانت لنا عن أنَّ الجنَّ كانوا طرائقَ قِدداً، وأنَّ منهم المسلمين، وهذا يقتضي منا وجوبَ أن نقول بأن للرحمنِ عباداً من الجن أيضاً (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) (14 الجن).
فسبحانَ الذي كان من تجلياتِ رحمتِه أن هدى إلى صراطِه المستقيم من الجنِّ والإنس مَن عبدوهُ حقَّ عبادتِهِ فكان حقيقاً عليه أن يُشرِّفَهم بصفة “عباد الرحمن” التي سبقَ له وأن خلقَ ملائكتَه الكرام مُشرَّفين بها خِلقةً.