أرى اللهُ سيدَنا موسى ناراً اجتذبته إليها فكان ما كان من تكليم اللهِ تعالى له ليُصبح عليه السلام من بعدها “كليمَ الله”: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى. إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) (8- 12 طه). فمن أين جاءت تلك النار التي استفاضَ القرآنُ العظيم في توصيفها فقال فيها ما وثَّقته الآية الكريمة (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (8 النمل)؟
يُعين على تلمُّسِ إجابةٍ على هذا السؤال أن نتدبَّر هذه الآية الكريمة تدبراً يدور في فلك العبارة القرآنية الجليلة “بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ”. فالنارُ ما كان لها أن تكونَ مباركةً لولا أنها قد انبثقت انبثاقاً آنياً من لدُن الله تعالى! وهذا “الانبثاقُ اللدُني” يُذكِّرُ بما جاءتنا به سورةُ الأنبياء من توصيفٍ للطريقةِ التي يتأتى بها لما يُريدُه الله أن يتخلَّقَ هكذا ومن لدُنه تعالى مباشرة (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِين) (17 الأنبياء). فالنارُ التي رآها سيدُنا موسى لم يتسبَّب في اشتعالها شيءٌ من أشياء هذا الوجود المخلوقة، ولكنها انبثقت بشكلٍ مباشر من لدن الله تعالى، ولذلك كانت تلك النار مباركةً ببركةٍ إلهيةٍ انطوت عليها وفاضت منها على ما حولها (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا).