ما أن انتهى سيدُنا يوسف عليه السلام من قَصِّ رؤياه على أبيه سيدِنا يعقوب حتى أمره أبوه عليه السلام بألا يقصُص رؤياه هذه على إخوته (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (5 يوسف). فلماذا أمرَ يعقوبُ إبنَه يوسف بألا يقصُص رؤياه على إخوته؟ ولماذا تخوَّف سيدُنا يعقوب من أن يكيدَ إخوةُ يوسفَ له كيداً؟ ولماذا نظر إلى رؤيا إبنه يوسف بعينٍ توسَّمت فيها خطراً داهماً يَحيقُ به عليه السلام؟ ولماذا توجَّس سيدُنا يعقوب من رؤيا إبنه ولم يدر بخلدِهِ البتة أنها أضغاثُ أحلامٍ وأنها مجرد منام طفلٍ لا ينبغي أن يُبالَغ ويُغالى في تحميلها ما يُخشى عليه منه؟ أولم يَرِد في سورة يوسف ما يتبيَّن لمتدبِّره أنَّ ردَّ الفعل الأولي على أية رؤيا هو وصفها بأنها أضغاثُ أحلام فحسب (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون. قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِين) (من 43 -44 يوسف)؟ فلماذا لم تكن رؤيا يوسف عند سيدنا يعقوب لا أكثر من أضغاثِ أحلام؟
تضطرُّنا الإجابةُ على ما تقدَّم من أسئلة إلى وجوب الإقرار بأن رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام هذه لم تكن الأولى! فسيدُنا يعقوب عليه السلام كان يعلم أن بَنيه قد سبق لهم وأن خبِروا تحقُّق جميع الرؤى التي أراها اللهُ أخاهم يوسف!