هل للأشياء إرادة؟ قد يبدو هذا السؤال بعيداً كل البُعد عن الواقع الذي نعيشه؛ فكيف يُعقل أن يكون للأشياء إرادة وهي وفقاً لما يقضي به العلم المعاصر كينونات تفتقر إلى الحياة كما يُعرِّفها هذا العلم؟! كما أن الأشياء جامدةٌ لا حياة لها وذلك كما يقضي به الحس العام common sense والذي هو حُكم الإنسان بعامة على الأمور!
ولكن هذا الحُكم، الذي يتفق العلم المعاصر فيه مع الحس العام، يعارض ما جاءنا به القرآن العظيم من الله تعالى. فالأشياء، وفقاً لما يقضي به القرآن العظيم، لها حياة ولها بالتالي إرادة! ويكفينا أن نتبيَّن ما جاءتنا به سورة الكهف ليتبيَّن لنا أن ما قضى به العلم المعاصر، وما وافقه عليه حسُّنا العام، هو ليس بالضرورة الحقيقة الكامنة من وراء أكمة الظواهر والمظاهر. فالجدار الذي أقامه سيدنا الخضر عليه السلام كان “يريد” أن ينقض: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ) (من 77 الكهف). فذلك الجدار كانت له إرادة وذلك بخلاف ما نظن ونتوهم إذ ننظر إلى أي جدار فلا يخالجنا أدنى شك بأنه لا يمكن أن تكون له أية إرادة!
والقرآن العظيم حافلٌ بذكر الكثير من الأدلة والبراهين على أن للأشياء حياةً وإرادة. فيكفينا أن نستذكر على سبيل المثال الآية الكريمة 72 من سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، والآية الكريمة 11 من سورة فصلت (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ).
وبذلك يتبيَّن لنا أن حقيقة الأشياء هي ليست بالضرورة ما نظنه بشأنها ويوافقنا عليه العلم الذي بين أيدينا. فالقول الفصل هو ما جاءنا به من عند الله تعالى قرآنُه العظيم، وكل قولٍ خلاف ذلك ليس بحقيقة.